|| بالدلائل سرايا عابدين نسخة مطابقة لـ حريم السلطان || |
بعد بث أربع حلقات من المسلسل التاريخي "سرايا عابدين" اشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي بحملات واسعة من الانتقاد، إذ أكد كثيرون أن المسلسل هو نسخة قريبة من المسلسل التاريخي الشهير "حريم السلطان"، لكنه لغاية الحلقة الرابعة لم يرتق إلى مستواه بعد لا نصاً ولا أداءً، فهل هو فعلاً دراما عربية خالصة لا صلة لها إطلاقاً بمسلسل "حريم السلطان" كما أكد القائمون عليه، أم هو بالفعل رغم نفيهم إستنساخ للمسلسل التركي؟
سلوكيات غير لائقة في "سرايا عابدين"
نجحت الحلقات الأربعة الأولى في شد المشاهدين بديكورات غاية في الإبهار والفخامة، وباللغة وبالمقدمة الموسيقية لمؤلفها التركي "فهير أتك أوغلو"، والأزياء الراقية ما أكسب العمل طابعاً ملوكياً لكن أداء الممثلات، وخفة دم شفق هانم وجاريتها حين وضعت لها قمصان نوم مثيرة رغماً عنها وتحدثتا معاً بلغة شعبية لا تليق بزوجة الحاكم، ومؤامرة تضييق فستان فريال هانم من قبل ضرتها الشركسية صافيناز هانم، ومؤامرة تلويث فستان شفق هانم التي دبرتها الملكة خوشيار، وهي مؤامرة رخيصة وصغيرة لا تقدم عليها سيدة محترمة وقوية فكيف تقدم عليها ملكة صاحبة جاه وسلطان في القصر؟ تأمر فتطاع من زوجات إبنها ولا تحتاج إلى ارتكاب مثل هذه التصرفات غير اللائقة بقامتها الملكية الرفيعة، كل هذه المقالب عبارة عن مقالب صغيرة لا ترتكبها عادةً إلا نساء من عامة الشعب أو الجواري، لا من قبل ملكات أو أميرات في عمل تاريخي كبير، لكنها كتبت ربما تحت بند (ضرورة درامية) لإضفاء خفة الدم المصرية على بعض الأحداث وخلق لمسات كوميدية لم تكن مناسبة بأي شكل من الأشكال لعمل تاريخي ضخم ورفيع المستوى من هذا النوع.
فهذه مؤامرات بريئة وطفولية مقارنة بمؤامرات نساء الملوك والسلاطين الشديدة الخطورة التي تبدأ بالأسر والخطف والدسائس وتنتهي بالقتل والدم.
جرأة "سرايا عابدين" فاقت جرأة "حريم السلطان"
ووقعت أخطاء درامية كثيرة غير مقبولة في عمل تاريخي، ولم يقع في مثلها أي عمل تاريخي مصري أو سوري أو أردني في السنوات الأخيرة، فالشعب التركي منذ مئات العقود من الزمن يعتنق 90% منه الإسلام ديناً لهم، ومعروف لكثيرين عدم إختلاط الرجال بالنساء في القصور العثمانية أو المصرية ، وقد أكدت الإعلامية التركية الشهيرة كريمة سينيوجيل التي حاورت أحفاد السلاطين العثمانيين الذين تم نفيهم مع عائلاتهم في العشرينيات من القرن العشرين في سلسلة وثائقية بثتها شبكة trt التركية، أنه لم يكن مسموح لأحد سوى السلطان وأبنائه بدخول أجنحة السلطانات والأميرات ، وكان الإختلاط بين الخدم الذكور والإناث على نطاق ضيق وبحساب، لكننا فوجئنا بأن جرأة المسلسل العربي "سرايا عابدين" فاقت جرأة المسلسل التركي "حريم السلطان" بمشهد تبادل السفرجي زينهم (وائل نجم) الغرام مع حبيبته الخادمة والجارية شمس (غادة عادل) في سريره بمخدع نوم جماعي للسفرجية الرجال ليلاً، جرأة غير مقبولة ولا يوجد لها أي مبرر درامي، فمن أين للسفرجي جرأة معاشرة حبيبته ليلاً في سريره في مخدع جماعي قد يسمعهما ويراهما الجميع؟
وقد تضمن المسلسل مشاهد قللت جداً من قيمة المسلسل التاريخية، وهزت صورة الملكة خوشيار، ولم تشعرنا بإننا نشاهد مسلسلا تاريخيا رصينا وراقيا يقربنا روحياً وبصرياً من حقبة الخديوي اسماعيل.
تشابه بين شخصيات المسلسلين
أداء نجوم المسلسل المصري جيد فيه قدر كبير من التمكن الدرامي والنفسي للشخصية، فقد أقنعتنا يسرا بشخصية الملكة الأم القاسية خوشيار إلى حد ما لكن أداءها جاء مبالغاً فيه أحياناً، وافتقدت في كثير من مشاهدها للعفوية والطبيعية في الأداء، فالملكات يبتسمنّ، ويتباسطنّ مع عائلاتهن وخدمهن، ولا يتعالينّ على زوجات أبنائهن وخدمهن كما تفعل الملكة خوشيار، لهذا بدأت المقارنة من الحلقة الأولى بينها وبين الممثلة التركية نبهات شهري التي أدت دور السلطانة الأم في (حريم السلطان)، والبعض انحاز لأداء التركية نبهات التي قدمت أداءاً طبيعياً لا مبالغة فيه، وكانت الشخصية الأولى التي حافظت على التوازن والإستقرار في القصر السلطاني رغم اشتعاله بحروب خفية بين السلطانتين هيام وناهد دوران، وكانت النموذج الأمثل للسلطانة الراقية بسلوكها وكلامها وأدائها الطبيعي.
مشاهد من "حريم السلطان"
أقنعنا قصي خولي بشخصية الخديوي إسماعيل إلى حد كبير لم يصل للإتقان الكامل بعد، وقد لمحنا في كثير من مشاهده لمحات سريعة من المسلسل التركي (حريم السلطان) خاصةً بوقفة الخديوي إسماعيل على الشرفة بمفرده تماماً كما كان يفعل دائما السلطان سليمان القانوني، ووقوفه مرة أخرى مع جاريته صوفيا كما فعل مرارا السلطان سليمان مع زوجته السلطانة هيام وجاريته فيروزة، وطريقة حواره مع أبنائه الصغار، وإهدائه خاتماً مميزاً لزوجته صافيناز ووضعه بنفسه في يدها بالإضافة لمشاهد العناق الرومانسية التي لم نألفها في أعمال تاريخية عربية سابقة قبل سرايا عابدين لكنها ظهرت الآن بعد النجاح الأسطوري الذي حققه (حريم السلطان) على مدار أربع سنوات كاملة.
ما أوجه التشابه بين فريال هانم والسلطانة ناهد دوران؟
وكلما شاهدنا فريال هانم الأرستقراطية المتعالية الفخورة بنسبها التي تؤديها بأسلوب طبيعي مثير للإعجاب (نور) التي تحتقر ضرائرها، وتعدهن أقل شأناً ونسباً منها وتعد إبنها الأمير فؤاد لخلافة والده على عرش مصر، تحضرنا فوراً صورة السلطانة ناهد دوران (نور فتاح أوغلو) في (حريم السلطان) المتعالية الفخورة بنسبها الملكي وبإنها الزوجة الأولى للسلطان سليمان ووالدة نجله الأكبر الأمير مصطفى الذي تعده من صغره لخلافة والده على عرش الأمبراطورية العثمانية، وتغار عليه من الجواري الحسناوات وبالأخص: السلطانة هيام التي تصبح أقرب النساء إلى قلبه.
قصة شمس نسخة قريبة من قصة السلطانة هيام
وتظهر من الحلقة الأولى شخصية الجارية الحسناء شمس (غادة عادل) القريبة بملامحها وقصتها الدرامية من الجارية ألكسندرا التي تصبح فيما بعد السلطانة هيام، فهي خادمة فقيرة أحبت السفرجي الفقير زينهم (وائل نجم) وسلمته نفسها بحب، وفقدت عذريتها معه ، وخطبها رمزياً بدبلة متواضعة لكنها عندما تتيح لها فرصة الإنضمام لحريم الخديوي اسماعيل ، تتنازل عن حبها له وترمي دبلته غير آسفة في البركة، وتذهب للطبيب الفاسد صلاح عبدالله ليعيدها بعملية ترميم عذراء كما كانت حتى تفوز بقلب الخديوي اسماعيل في الخلوة الموعودة بها من مديرة حرملك القصر أنوشكا التي تعجب بجمالها وتقول لها: ستكونين هديتي للخديوي اسماعيل في عيد ميلاده. وتسديها نصائح لكيفية التقرب منه.
تماماً كما حصل مع ألكسندرا حين نصحتها فريال خانم بالتقرب من السلطان سليمان بأنوثة وذكاء لأنه إن أحبها ستتحول من جارية مغمورة إلى سلطانة تأمر وتحكم، فتنسى حبها للرسام ليو، وتهوى السلطان بوسامته وقوته ونفوذه.
وغادة عادل نجحت في إستحضار السلطانة هيام إلى ذاكرتنا بقوة،ورغم نفي القائمين على العمل وبالأخص نفي مؤلفته هبة حمادة ومخرجه عمرو عرفه بأنه بعيد تماماً عن المسلسل التركي (حريم السلطان )، فإنّ فكرة خلوة الخديوي اسماعيل بجواريه لم تذكر في أي مسلسل تاريخي عربي أو مصري قبل عرض المسلسل التركي (حريم السلطان).
وأخيراً هل مسلسل (سرايا عابدين) نسخة عربية خالصة أم إستنساخ لحريم السلطان؟ لا بد لنا من مواصلة متابعته من الحلقة الخامسة لغاية حلقته الأخيرة من موسمه الأول حتى نعرف الإجابة الحقيقية والمنصفة على هذا السؤال قبل أن نصدر أحكامنا المسبقة عليه .
تحياتي : همس
0 التعليقات:
إرسال تعليق